القائمة الرئيسية

الصفحات

طبول الفتنة تقرع بينما أجراس العودة نائمة !


مجلة فلسطين - باسم داغر : في الوقت الذي تتعرض فيه القضية الفلسطينية الى تحديات مصيرية ومخاطر وجودية تنذر بتصفيتها و تدمير مستقبل الشعب الفلسطيني، وفي الوقت الذي يتطلع شعبنا ويرجو طي صفحة الانقسام البغيض مند ٢٠٠٧ والعمل على رص الصفوف في هذه الظروف المصيرية، تخرج علينا حركات ومؤسسات وأحيانا مجموعات "اسلامية" او بالأحرى إسلاماوية اقصائية لتقرع طبول الفتنة الدينية ضد ابناء شعبنا - اخواننا - الفلسطينيين المسيحيين داعية الى مقاطعة افراحهم وتحريم تهنئتهم بأعيادهم الدينية.

واذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر امثلة شاهدتها مؤخرا (الاسبوع الاخير) على وسائل التواصل الاجتماعي: الاول هو مستند من وزارة اوقاف &في قطاع غزة، والثانية من رئيس جمعية (العلماء؟) والدعوة في القدس المحتلة.

ومن الملاحظات المثيرة في وثيقة &
انها جاءت مروسة بـ "دولة فلسطين"، (أين الدولة؟) بينما لا يطبق قرارها الا في قطاع غزة المحاصر. اي ان "دويلتهم" (امارة غزة) حاضرة في اذهانهم دوما وأن الكلام عن تحرير كل فلسطين ليس مخالفا لممارساتهم البراغماتية.

ايضا، إذا كانت دولة فلماذا لا تعترف بان &هو عيد وطني فلسطيني رسمي؟ وفي عملية اقصاء وفرنَجَة، يستخدم المستند الحمساوي مصطلح الـ "كريسماس" الغربي (المركبة من: "كرايست" (السيد المسيح) و &

قداس؛ والمعنى قداس ميلاد السيد المسيح ) وليس المصطلح العربي الفلسطيني "عيد ميلاد السيد المسيح" او "عيد الميلاد المجيد" وذلك لربط الاحتفالية بالغرب وليس بأرضه ووطنه الفلسطيني بغرض نزع المصطلح الذي يرمز للعيد عن سياقه الثقافي والحضاري الفلسطيني في عملية تغريب ثقافية واضحة من اجل اقصاء اجتماعي وديني وطائفي ومن ثم اقصاء سياسي ووطني واقامة "إمارة" إسلامية (في قطاع غزة) على مقاس مصالحهم و ايديولوجيتهم المنفعية.

ليس فقط ان هذه التوجهات غير ذكية سياسيا، بل انها توجهات لا اخلاقية خطيرة وغريبة عن مجتمعنا و قيمنا الاجتماعية و الدينية (هل تعرفون ان النصوص الاسلامية تؤمن بالسيد المسيح والسيدة مريم هي الامرأة الوحيدة التي خصص لها سورة كاملة؟) جاءت من بيئة تحركات دينية خارجية ذات فكر ظلامي يهدف الى الاقصاء المجتمعي والشرذمة الوطنية كما يراد منها وفرض فهم ضيق للدين و تأويله للنص الديني حسب اجندتهم الحزبية والسلطوية الضيقة لتحقيق منافع اقتصادية و سياسية.

للأسف تنسى حماس (دويلة قطاع غزة) او تتناسى (لأسباب لا نعرفها) و تتجاهل ان الفلسطينيين المسيحيين هم مركب اولي واصلي وكان لهم وما زال لهم دور وطني في الصمود والنضال عبر المساهمة السياسية والثورية والتعاون المجتمعي وذلك من منطلقات وطنية وحدوية مثل رفع الآذان من كنائس القدس والناصرة في تحدي لقرار الاحتلال بمنع الآذان وكذلك من كنائس غزة بعد قصف المساجد اثناء الحرب.

وبذلك تكون "حماس" تتناسى الدور الوطني الكبير للفلسطينيين منذ مطلع القرن العشرين (وقبل ذلك) ومنذ اقامة الجمعيات المسيحية-الاسلامية والتي كانت هيئات وطنية بامتياز... إذ تسنى للفلسطيني المسيحي المربي الكبير خليل السكاكيني اقامة الخطبة في المسجد الاقصى واقامة مشايخ وأئمة بإلقاء خطب في الكنائس.

ومن الزمن الحالي هناك امثلة لا حصر لها (يحضرني مشاهدة عزاء مؤخرا في يافا يخطب فيه مطران وشيخ\إمام) عن الادوار الوطنية الوحدوية التي قام ويقوم بها الفلسطينيون المسيحيون؛ ونذكر الاسير جون قاقيش المسيحي المقدسي المحكوم ب 9 سنوات بسبب طعنه لجندي اسرائيلي نصرة للأقصى والاسرى النبر والعابودي وجورج ابو غزالة والحلبي والعربيد وآخرون

ولجوء المطاردين الى كنيسة المهد؛ ودور مطران القدس الراحل المطران كبوتشي (كبوجي) ودور المطران ابو العسل والبطريرك الصباح والمطران عطاالله حنا (في القدس) بالدفاع عن الاقصى و المقدسات الاسلامية ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

كما تناسى من اصدر (عن حماس) هذا البيان المقيت تضامن ومساعدات احرار العالم (كلهم من خلفية مسيحية) من كوبا و فنزويلا و بوليڤيا وفرنسا و اسبانيا وايطاليا وبريطانيا واستشهاد الامريكية راشيل كوري في غزة و البريطاني توم هيرندال والايطالي ڤيتوري اريغوني الذي اختطفته و قتلته مجموعة "جند الإسلام" السلفية في سياق صراعها مع حركة حماس التي قتلت زعيم جماعة جند انصار الله الموالية للقاعدة عبد اللطيف موسى مع 22 من انصاره في الهجوم بالرصاص وقذائف الار بي جي على مسجد ابن تيمية في مدينة رفح ( يمكن مشاهدة الفيديو على اليوتيوب).

فبدلا من تعزيز قيم التعاضد والمحبة و التضامن و التكافل و النضال في خندق واحد ضد الاحتلال الصهيوني وبناء التعددية على اساس المساواة و الاحترام المتبادل لكي يشع وجه شعبنا في العالم على انه متسامح ومتحضر، نراهم يوجهون طاقاتهم ضد مناسبة فلسطينية هي الاهم (على الاقل عدديا) في العالم، بالكامل وذلك لخلق الكراهية والتعصب و الانقسام تناغما و تساوقا مع سياسات الاحتلال الصهيوني. اليس التفتيت هو هدف الاحتلال؟ ماذا لو تم ترجمة هذا المستند الى كل لغات العالم لفضح ممارسات حماس ونواياها الحقيقية؟

انه ليس نسيان بل مخطط خطير لتفريغ المكون الفلسطيني المسيحي من فلسطين (وهو هدف الاحتلال) وتدمير التراث الحضاري الكنعاني و الارامي والعربي والارث التاريخي لفلسطين لكي تستفرد الصهيونية بالمسلمين وتصفهم بالاسلاموية والارهاب امام العالم وليتحول العالم كله ضد القضية الفلسطينية.

فهم يدركون مدى اهمية وضرورة وقوة وفاعلية الفلسطينيين المسيحيين في طرح القضية الفلسطينية في المحافل الدولية و بما تمثله من عمق حضاري ينسف الرواية التلمودية و الصهيونية.

فالمسيحية العربية المشرقية الفلسطينية ليست طارئة بل هي الجزء الاول و مركب اصيل من الهوية الوطنية الفلسطينية ولها صفات و سمات وطنية و قومية عروبية مميزة و مدعاة للفخر والاعتزاز...لا بل عامل قوة في الصراع العالمي لصالح القضية الفلسطينية.

الكثيرون ممن هم فلسطينيين مسلمين (كانوا ذات مرة فلسطينيون مسيحيين مشرقيين ارثوذكس) وفلسطين هي أصل و منشأ المسيحية في العالم: انها الناصرة وبيت لحم والقدس، حيث نشأت وارتبطت بدعوة السيد المسيح عليه السلام ثم انتشرت في كل شبر من ارض فلسطين و منها الى العالم.

انها كنيسة القيامة - ام الكنائس والقبلة المسيحية الاولى - والتي يبعد عنها الحرم القدسي الشريف اقل من ألف خطوة... والتي يجب ان تكون وحدتهما (كنا متدينين ام علمانيين) منارة للعالم وفولاذا لشحذ النضال الفلسطيني.

نضال المسيحية الاولى ضد الهيمنة السياسية الرومانية واليهودية سابق على الاسلام بسبعة قرون واستمر بعده عبر جميع مراحل التاريخ الفلسطيني إذ انخرط المسيحيون المشرقيين في النضال الوطني ضد الانتداب البريطاني والهجرة اليهودية ( الجمعيات الاسلامية - المسيحية ) وساهموا بالثورات و الاعتصامات لتختلط دماء الشهداء غسان كنفاني و حنا ميخائيل و وديع حداد و نعيم خضر و جايل العرجا وكمال ناصر بدم الشهداء كمال عدوان و ابو جهاد و سعد صايل و ابو اياد و رمضان شلح و عبدالعزيز الرنتيسي و ابو علي مصطفى: انها وحدة وطنية كتبت و تعمدت بالدم قبل ان تظهر .

على الساحة (بعد الانتفاضة الاولى) في نهاية الثمانينيات من القرن العشرين.
انه لمن المعيب والجهل اغفال السردية الفلسطينية التي تطلقها، وبتواصل مئات القامات والاعلام الفلسطينية ورموزها الثقافية و التنويرية والعلمية و دورهم الريادي في النهضة الثقافية و تبلور الهوية الفلسطينية

والعربية ومساهمتهم بصناعة و صياغة لاهوت التحرير والمقاومة الفلسطيني (انظر اعمال رجال دين فلسطينيين مسيحيين مثل الكاهن رفيق فرح والكاهن نعيم عتيق) وربط الديانة المسيحية بالهوية الفلسطينية والايمان المسيحي بالخلاص من الاحتلال الصهيوني.

ومن الماضي يحضرني اسماء علماء وادباء امثال خليل بيدس وسليم قبعين وأنطوان بلان واديب سعادة الخوري وجبرا ابراهيم جبرا ومي زيادة وكلثوم عودة وانطوانيت خوري-مخول وتوفيق كنعان و عيسى البندك و اميل حبيبي و إدوارد سعيد و حنا مقبل و هشام شرابي و ناجي علوش وتيريزا هلسة والياس شوفاني وفايز صايغ وانيس صايغ ولا زال الكثيرون منهم يثرون هويتنا و ثقافتنا الوطنية.

اثبت شعبنا وعيه و حرصه على وطنه و قيمه الاصيلة و تمسكه بهويته من خلال رفعه شعار (المسيحيون هم نحن )...وهل ممكن الا نقول ذلك وفي تاريخ الشعب الفلسطيني تواجد "حكيم" الثورة الراحل الدكتور جورج حبش؟

فالمسألة لا تقتصر على الامور الرمزية مثل الاحتفالات وشجرة عيد الميلاد و تهنئة وليست قضية دينية... وانما هي قضية وطنية و اخلاقية و حضارية و هوية فلسطينية على المحك.

عيد ميلاد مجيد الى جميع ابناء شعبنا في ارض المسيح واولى القبلتين
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات